Uncategorized

[:ar]مهارات التواصل الدعوي في السنة النبوية المشرفة[:]

[:ar]

لقد ضرب لنا نبينا (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أعظم المثل في استخدام مهارات التواصل الدعوي بمختلف أنواعها حتى وإن لم يسمها بذلك ، أو لم تعرف في زمانه (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بهذا الاسم ، فقد أداها بما آتاه الله (عز وجل) وعلمه إياه من البلاغة والفصاحة والبيان ، وما آتاه من جوامع الكلم وأدواته ووسائله , ومع ذلك كله حرص (صلى الله عليه وسلم) على التنوع في الأسلوب واستخدام سائر مهارات التواصل الدعوي للنفاذ إلى عقل المتلقي وقلبه , وإثارة اهتمامه وانتباهه , وإيقاظ مشاعره , ومن هذه المهارات :
  • مهارات لغة الجسد الرصينة المتزنة , كتغيير وضع الجسد لإثارة الانتباه, ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) : ” أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : الإِشْرَاكُ بِالله ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ، فَقَالَ : “ أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لاَ يَسْكُتُ ([1]) .
([1]) متفق عليه : صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ ، حديث رقم 5976 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا ، حديث رقم 269 .
________________________(61)_________________________
فلا شك أن تغيير النبي (صلى الله عليه وسلم) وضعه من الاتكاء إلى الجلوس كان على سبيل إثارة انتباه السامع والمتلقي إلى أهمية ما سيلقي من الكلام , وأن له خصوصية اقتضت تغيير النبي (صلى الله عليه وسلم) لوضع جسده الشريف من الاتكاء إلى الجلوس , تأكيدًا على خطورة وأهمية ما سيذكر بعده من قول الزور , لما يترتب عليه من الظلم وضياع الحقوق ، والتحذير من خطورة الوقوع فيه ومغبته وسوء عاقبته .
ومنها الإشارة إلى القلب ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّ الله لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ ، وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ” وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ ([1]) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَانًا ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا ، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ([2]).
([1]) صحيح مسلم ، كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ ، بَابُ تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ ، وَخَذْلِهِ ، وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَالِهِ ، حديث رقم 2564 .
([2]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا } ، حديث رقم 5143 ، وصحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآدب ، باب تَحْرِيمِ ظُلْمِ الْمُسْلِمِ وَخَذْلِهِ وَاحْتِقَارِهِ وَدَمِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ ، حديث رقم 6706 .
__________________________(62)___________________________
ومنها الإشارة ببعض أصابعه كالإشارة بالسبابة والوسطى ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ”  وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ” ([1])، وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: كَانَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلاَ صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ:صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ ، وَيَقُولُ : بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ..([2])، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “ مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ([3]).  
ومنها الإشارة إلى اللسان ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ الله لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا – وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ – أَوْ يَرْحَمُ ([4]).
وقد حرص نبينا (صلى الله عليه وسلم) على تنويع أساليبه الدعوية ، واستخدام سائر مهارات التواصل الـدعوي ، للنفاذ إلى عقل المتلقي وقلبه ,
([1]) صحيح البخاري ، كتاب الطلاق ، باب اللعان ، حديث رقم 5304 .
([2]) صحيح مسلم ، كتاب الجمعة ، باب تَخْفِيفِ الصَّلاَةِ وَالْخُطْبَةِ ، حديث رقم 2042 .
([3]) صحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآدب ، باب فَضْلِ الإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ ، حديث رقم 6864 .
([4]) متفق عليه : صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ ، حديث رقم 1304 ، وصحيح مسلم ، كتاب الجنائز ، باب الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ ، حديث رقم 2176 .
_______________________(63)__________________________________
وإثارة اهتمامه وانتباهه , ومنها:
  • استخدام لغة الأرقام للتحديد والحصر ، أو التقريب الذهني ، على حد قوله (صلى الله عليه وسلم) : ” ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لله ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ “([1]) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم): ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ “ ([2])، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : “أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ” ([3]).
   وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ” بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ
([1]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب حَلاَوَةِ الإِيمَانِ ، حديث رقم 16 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بَيَانِ خِصَالٍ مَنِ اتَّصَفَ بِهِنَّ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ ، حديث رقم 174.
([2]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب عَلاَمَةِ الْمُنَافِقِ ، حديث رقم: 33. وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ ، حديث رقم 220 .
([3]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب عَلاَمَةِ الْمُنَافِقِ ، حديث رقم 34 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان، باب بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ ، حديث رقم 219.
_______________________(64)_________________________________
رَمَضَانَ ” ([1]) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ , شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ , وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ , وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ , وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغلكَ , وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ “([2])، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ “، قِيلَ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ : “إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ الله فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ “([3]) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : “ بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا ، هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ، أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ” ([4]) ، وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ” اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ الله ، وَمَا هُنَّ ؟
([1]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب قول النبي(صلى الله عليه وسلم) : ” بني الإسلام على خمس” ، حديث رقم 8 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، كتاب الإيمان ، باب قَوْلِ النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) “بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ” ، حديث رقم 7 .
([2]) شعب الإيمان ، الحادي و السبعون من شعب الإيمان وهو باب في الزهد وقصر الأمل ، ج 12/ ص 476 ، حديث رقم 9767 .
([3]) متفق عليه واللفظ لمسلم: صحيح البخاري ، كتاب الجنائز ، باب الأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ، حديث رقم 1240 . وصحيح مسلم ، كتاب السلام ، باب مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ رَدُّ السَّلاَمِ ، حديث رقم 5778 .
([4]) سنن الترمذي ، كتاب الزهد ، باب مَا جَاءَ فِى الْمُبَادَرَةِ بِالْعَمَلِ ، حديث رقم 2476 .
____________________________(75)___________________________
قَالَ : الشِّرْكُ بِالله ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ”([1]) .
3- استخدامه (صلى الله عليه وسلم) للرسم التوضيحي كمهارة من مهارات التواصل ، فعن ابن مسعُودٍ (رضي الله عنه) قَالَ : خَطَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) خَطًّا مُرَبَّعًا ، وخَطَّ خَطًّا في الوَسَطِ خَارِجًا منْهُ ، وَخَطَّ خُططًا صِغَارًا إِلى هَذَا الَّذِي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الوَسَطِ ، فَقَالَ : هَذَا الإِنسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطًا بِهِ – أوْ : قَد أَحَاطَ بِهِ – وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْراضُ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا “([2]) .
وعنه (رضي الله عنه) قال : “خطَّ رسولُ الله (صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ) خطًّا بيدِه ثم قال : هذا سبيلُ الله مستقيمًا ، وخطَّ خطوطًا عن يمينِه وشمالِه، ثم قال : هذه السبلُ ليس منها سبيلٌ إلا عليه شيطانٌ يدعو إليه “، ثم قرأ :
([1]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الوصايا ، باب قَوْلِ الله تَعَالَى { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } ، حديث رقم 2766 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بَيَانِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا ، حديث رقم 272 .
([2]) صحيح البخاري ، كتاب الرقاق ، باب فِى الأَمَلِ وَطُولِهِ ، حديث رقم 6417 .
________________________(66)_______________________________
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكم عَنْ سَبِيلِهِ([1]) ([2]).
فالسنة النبوية المطهرة أنموذج في مهارات التواصل الدعوي التي حرص النبي (صلى الله عليه وسلم) على تنويعها لإثارة اهتمام وانتباه السامعين ، ولتحقيق أكبر فائدة للتواصل الدعوي , ونذكر منها أيضًا:
4- استخدام ضرب الأمثلة التوضيحية ، ومنها : ما روي عن أبي موسى (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ،  وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ([3]).
([1]) الأنعام : 153.
[2]) هذا لفظ مسند أحمد ، ج 7/ ص 436 ، حديث رقم 4437 .وأخرجه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب فِي الأَمَلِ وَطُولِهِ ، حديث رقم  6417. ولفظه: عَنْ عَبْدِ الله (رضى الله عنه) قَالَ: خَطَّ النَّبِىُّ (صلى الله عليه وسلم) خَطًّا مُرَبَّعًا ، وَخَطَّ خَطًّا فِى الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِى فِى الْوَسَطِ ، مِنْ جَانِبِهِ الَّذِى فِى الْوَسَطِ وَقَالَ: ” هَذَا الإِنْسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ – أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ – وَهَذَا الَّذِى هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ” .
([3]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الذبائح ، باب الْمِسْكِ ، حديث رقم 5534 . وصحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب اسْتِحْبَابِ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَمُجَانَبَةِ قُرَنَاءِ السَّوْءِ ، حديث رقم 6860 .
________________________(67)______________________________
ومنه أيضا ما روي عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” ([1]).
5- استخدام أسلوب الاستفهام في الخطاب الدعوي يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ، قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، فَقَالَ : “ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ([2]).
    وفيه أيضًا الإلغاز لتنشيط أذهان المستمعين , ومنه ما روي عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ ، حَدِّثُونِي مَا هِي ؟ ، قَالَ:
([1]) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ ، حديث رقم 6011 . وصحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآدب ، باب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ ، حديث رقم 6751 .
([2]) صحيح مسلم ،كتاب البر والصلة والآدب ، باب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ ، حديث رقم 6744 .
___________________________(68)____________________________
فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي . قَالَ عَبْدُ الله : فَوَقَعَ فِي نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ ، ثُمَّ قَالُوا :حَدِّثْنَا مَا هِي يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : هِي النَّخْلَةُ([1]).
6- ومن مهارات التواصل الدعوي في السنة النبوية مهارات استخدام أسلوب الإقناع والاستدلال العقلي ، وتأييده بما هو مسلم لدى المتلقي في أرض الواقع , ومنه ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ الله عَنْهُ) أَنَّ رَسُولَ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ : هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ : فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ : أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ ، قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ([2]) .
7- التبسم كناية عن الرضا ، ومنه ما روي عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : “إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا ، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ:
[1])) متفق عليه: صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب طَرْحِ الإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ، حديث رقم 62 ،  وصحيح مسلم ،كتاب صفة القيامة والجنة والنار ، باب مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ ، حديث رقم 7276 .
[2])) متفق عليه : صحيح البخاري ، كتاب الطلاق ، بَابُ إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الوَلَدِ ، حديث رقم 5305. وصحيح مسلم ، كتاب الطلاق ، بَابُ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَغَيْرِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ ، حديث رقم 1500.
__________________________(69)______________________________
اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا ، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ : عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا ، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ نَعَمْ ، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً ، فَيَقُولُ : رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هَا هُنَا ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ “([1]).
8- الإعراض كناية عن عدم الرضا ، ومنه عن أنس (رضي الله عنه) قال : اسْتَشَارَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) النَّاسَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَ: إِنَّ الله قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ ، قَالَ : فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ، اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ ، قَالَ : فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ : ثُمَّ عَادَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ الله قَدْ أَمْكَنَكُمْ مِنْهُمْ ، وَإِنَّمَا هُمْ إِخْوَانُكُمْ بِالْأَمْسِ قَالَ : فَقَامَ عُمَرُ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله: اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ ، قَالَ : فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: ثُمَّ عَادَ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ لِلنَّاسِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ، نَرَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُمْ ، وَتَقْبَلَ مِنْهُمُ الْفِـدَاءَ ، قَالَ : فَذَهَبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَا كَانَ فِيهِ
([1]) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا ، حديث رقم 487 .
________________________(70)_______________________________
مِنَ الْغَمِّ ، قَالَ : فَعَفَا عَنْهُمْ ، وَقَبِلَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ ..([1]).
9- تكرار الكلمة أو الجملة لتثبيت الأمر في عقل السامعين والصبر على السائلين وعدم التضجر من أسئلتهم ، ومنه ما روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : “ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ، قِيلَ : مَنْ يَا رَسُولَ الله ، قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ([2]).

 

 

([1]) مسند أحمد ، ج 21 /ص 181، حديث رقم 13555 . وفي حديث ابن عباس (رضى الله عنهما) في صحيح مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب الإِمْدَادِ بِالْمَلاَئِكَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ ، حديث رقم 4687 . ولفظه: (قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ : « مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاَءِ الأُسَارَى ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِىَّ الله هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى الله أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» ، قُلْتُ : لاَ والله يَا رَسُولَ الله مَا أَرَى الَّذِى رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنِّى أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلاَنٍ – نَسِيبًا لِعُمَرَ – فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا ، فَهَوِىَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ ، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِى مِنْ أَيِّ شَىْءٍ تَبْكِى أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وسلم) : « أَبْكِى لِلَّذِي عَرَضَ عَلَىَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَىَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ». شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِىِّ الله (صلى الله عليه وسلم) ، وَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ (مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ) إِلَى قَوْلِهِ (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا) فَأَحَلَّ الله الْغَنِيمَةَ لَهُمْ).
([2]) صحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآدب ، باب رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عِنْدَ الْكِبَرِ فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ، حديث رقم 6674.
____________________________(71)________________________
مع تأكيدنا أن مهارات التواصل الدعوي في عصرنا الحاضر تتطلب إضافة إلى كل هذه المهارات التي نتعلمها من سنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإلمام الكافي بالتعامل مع سائر وسائل التواصل العصرية والتكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بمهارات فائقة تواكب العصر ومستجداته ومتطلباته .
 
*     *     *
 
_______________________(72)_________________________

 

 [:]