[:ar]
كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أفصح العرب وأبلغهم ، وقد أوتي (صلى الله عليه وسلم) جوامع الكلم ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يحسن تذوق الكلام ونقده ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) ، أَنَّ رَجُلًا – أَوْ أَعْرَابِيًّا – أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ” إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا ، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً “([1]).
ويصف الجاحظ كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقول : وهو الكلام الذي قلّ عدد حروفه وكثر عدد معانيه ، وجَلَّ عن الصَّنعة ، ونُزِّه عن التكلف.. ، فلم ينطِقْ إلا عن مِيراثِ حكمَةٍ ، ولم يتكلَّم إلا بكلامٍ قد حُفَّ بالعصمة ، وشُيِّد بالتأييد ، ويُسِّرَ بالتوفيق ، وهو الكلامُ الذي ألقَى الله عليه المحبّةَ، وغشَّاهُ بالقَبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة ، وبَيْن حُسنِ الإفهام، وقلّة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته، وقِلّةِ حاجة السامع إلى معاوَدته ، لم تسقط له كلمة ، ولا زَلّت به قَدَم ، ولا بارَتْ له حجَّة، ولم يَقُم له خَصم ، ولا أفحمه خطيب ، بل يبذُّ الخُطَبَ الطِّوال بالكلِم القِصار ولا يَلتمِس
[1])) الأدب المفرد للبخاري ، بَابُ مَنْ قَالَ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا ، حديث رقم 872 ، وصحيح البخاري ، كتاب الأدب ، بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ ، بلفظ ” إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً “، حديث رقم 6145 ، وفي سنن ابن ماجه ، كتاب الأدب ، باب الشعر ، بلفظ “إن من الشعر لحكمة “، حديث رقم 3755 ، وفي سنن أبي داود ، كتاب الأدب ، بَاب مَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ ، بلفظ ” إِنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا ، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا ” ، حديث رقم 5011 .
_______________________(48)___________________________
إسكاتَ الخصم إلا بما يعرفه الخصم ، ولا يحتجُّ إلا بالصِّدق ولا يطلب الفَلْج إلا بالحق ، ولا يستعين بالخِلابة ، ولا يستعمل الموارَبة ، ولا يهمِز ولا يَلْمِز، ولا يُبْطِيء ولا يَعْجَل ، ولا يُسْهِب ولا يَحْصَر، ثم لم يَسْمع الناسُ بكلامٍ قَطّ أعمَّ نفعًا ، ولا أقصَدَ لفظًا ، ولا أعدلَ وزنًا ، ولا أجملَ مذهبًا ، ولا أكرَم مطلبًا ، ولا أحسنَ موقعًا ، ولا أسهل مخرجًا ، ولا أفصح معنًى ، ولا أبين في فحوَى ، من كلامه (صلى الله عليه وسلم) كثيرًا ([1]).
ومن جوامع كلمه (صلى الله عليه وسلم) أنه سُئِل: مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : “أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ ” ([2])، ووعَظ (صلى الله عليه وسلم) رجلاً ، فقال :”إِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ فَصَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ ، وَلاَ تَكَلَّمْ بِكَلاَمٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا ، وَاجْمَعِ الإِيَاسَ مِمَّا فِي يَدَىِ النَّاسِ”([3])، وقال (صلى الله عليه وسلم) : “حُسْنُ الْخُلُقِ نَمَاءٌ ، وَسُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ ، وَالْبِرُّ زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ ، وَالصَّدَقَةُ تَمْنَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ”([4]) ، وقال (صلى الله عليه وسلم): ” أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدُّنيا: حفظُ أمانةٍ،
[1])) البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، ص : 224 . ط : دار صعب ، بيروت . الطبعة الأولى ، 1968 . تحقيق: المحامي فوزي عطوي .
[2])) سنن الترمذي ، أبواب الزهد ، باب مَا جَاءَ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ ، حديث رقم 2586 .
[3])) مسند أحمد ، ج 51 / ص 261، حديث رقم 24213 .
[4])) مسند أحمد ، 34 / 290، حديث رقم 16506 ، وأخرجه أبو داود بلفظ: (حُسْنُ الْمَلَكَةِ نَمَاءٌ ، وَسُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ) ، سنن أبى داود ، كتاب الأدب ، باب فِى حَقِّ الْمَمْلُوكِ ، حديث رقم 5164.
__________________________(49)_______________________________
وصدقُ حديثٍ ، وحسنُ خُلقٍ ، وعِفَّةٌ في طُعمةٍ ” ([1]) ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ الله لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ”([2]).
وكان (صلى الله عليه وسلم) يستمع إلى الشعر ويثيب عليه ، وقد حث في بعـض المواقف على قوله ، ودعا إلى إنشاده ، فحين تطاول بعض شعراء المشركين علـى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلى دعوته ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ما يمنع القـوم الَّذين نـصروا رسـول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهـم ، وكان يقول لحـسان بـن ثابت : ” قل وروح القدس معك”، وفي رواية ” أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس”([3]).
كما أنه (صلى الله عليه وسلم) كان من أقدر الناس على تذوقه ونقده ، وكيف لا يكون كذلك وهو أفصح العرب كافة؟!
ومن نماذج ذلك :
-
أنشده كعب بن زهير (رضي الله عنه) في قصـيدته الـرائعـة المعـروفـة
[1])) مسند أحمد ، ج 14/ ص 341، حديث رقم 6812 .
[2])) سنن الترمذي ، كتاب الزهد ، باب مَنِ اتَّقَى الْمَحَارِمَ فَهُوَ أَعْبَدُ النَّاسِ ، حديث رقم 2475 .
([3]) انظر: دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر ، ص 17 ، تحقيق الشيخ محمود شاكر، والدين الخالص ج3 ص 271، وحسان بن ثابت لمحمد إبراهيم جمعة ص 28، 57، 62.
_____________________________(50)_____________________________
بالبردة والتي يقول فيها ([1]) :
أُنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ الله أَوْعَــدَني |
والعَفْوُ عَنْدَ رَسُولِ الله مَأْمُولُ |
إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضــاءُ بِهِ |
مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ الله مَسْلُــولُ |
فلما انتهى من إنشادها ألقى عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) بردته الشريفة إكرامًا له.
هجــوتَ محمدًا فأجبتُ عنه |
وعنـد الله فــي ذاك الجــزاءُ |
وأنشده حسان بن ثابت (رضي الله عنه) في رده على أبي سفيان بن الحارث ([2]) :
فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): “جَزَاؤُكَ عَلَى الله الْجَنَّةُ يَا حَسَّانُ”, ثم قال حسان بن ثابت (رضي الله عنه) :
[1])) السنن الكبرى للبيهقي ، كتاب الشهادات ، باب مَنْ شَبَّبَ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ ، حديث رقم 21672 .
[2])) صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فَضَائِلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ (رضى الله عنه) ، حديث رقم 6550. عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) قَالَ (اهْجُوا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ)، فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: (اهْجُهُمْ)، فَهَجَاهُمْ ، فَلَمْ يُرْضِ ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ حَسَّانُ : قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ…الحديث.
_____________________________(51)____________________________
فإنَّ أبي ووالــــده وعرضي |
لعرض محمـدٍ منكـــم وقاءُ |
فقال له: “وقاك الله حر النار يا حسان” ، فدعا له بالجنة مرتين في ساعة واحدة ([1]).
-
أتى النابغة الجعدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنشده قـوله :
أتيت رسول الله إذ جاء بالهــــدى |
ويتلـو كتــــابًا كالمجــــــرة نيرا |
بلغنا السماء مجدنا وجـــــــدودنا |
وإنا لنرجـو فوق ذلك مظـــــهرًا |
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : إلى أين يا أبا ليلى؟ ، فقال : إلى الجنة يا رسول الله ، قال: أجل إن شاء الله ، ثم أنشده الجعدي قوله :
ولا خير في حلم إذا لم تكـن له |
بوادر تحمى صفوه أن يكــدرا |
ولا خير فى جهل إذا لم يكن له |
حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا |
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : أجدت ، لا يفض الله فاك، فبقى عمره لم تسقط له سن ، وكان معمرًا ([2]).
([1]) العمدة لابن رشيق ، تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط: دار الجيل ، بيروت ج1 ص 53.
([2]) انظر: الشعر والشعراء ص 181 ، ودلائل الإعجاز ص 21، 22، وجمهرة أشعار العرب ص23.
___________________________(52)__________________________
-
مر النبي (صلى الله عليه وسلم) ومعه أبو بكر (رضي الله عنه) برجل يقول في بعض أزقة مكة:
يا أيها الرجل المحول رحله |
هلا نزلت بآل عبـد الــدار |
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : يا أبا بكر ، أهكذا قال الشاعر ؟ قال: لا، يا رسول الله ، ولكنه قال :
يا أيها الرجل المحول رحله |
هلا سألت عن آل عبد مناف |
فقال (صلى الله عليه وسلم) : هكذا كنا نسمعها (2).
-
وعندما قال عبد الله بن رواحة :
نجالد الناس عن عرض ونأسرهم |
فينا النبــي وفينـا تنـزل الســــور |
وقـــد علمتم بأنا ليس يغلبنـــــا |
حي من الناس إن عــزوا إن كثروا |
فلما انتهى إلى قوله في النبي (صلى الله عليه وسلم) :
فثبــت الله ما أعطاك مـن حســــن |
(1) انظر: الشعر والشعراء ص 181 ، ودلائل الإعجاز ص 21، 22، وجمهرة أشعار العرب ص23.
(2) دلائل الإعجاز ، ص 21، وانظر: الأمالي للقالي ، ج1 ص 289، 290 ، والشعر لمطرود بن كعب الخزاعي يرثى عبد المطلب جد النبي (صلى الله عليه وسلم) .
_________________________________(53)___________________________
تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصـروا |
أقبل عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) بوجهه ، وقال : وإياك فثبت الله يابن رواحة([1]).
-
روي أن أم المؤمنين سودة بنت زمعة (رضى الله عنها) أنشدت قول قيس بن معدان الكلبى:
عدي وتيم تبتغي من تحالف([2]).
فظنت عائشة وحفصة (رضي الله عنهما) أنها عرضت بهما ، وجرى بينهن كلام في هذا المعنى ، إذ كان أبو بكر (رضي الله عنه) من تيم قريش ، وعمر (رضي الله عنه) من عدي قريش ، فأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك فدخل عليهن ، وقال : ” يا ويلكن ، ليس في عديكن ولا تيمكن قيل هذا ، وإنما قيل هذا في عدي تميم وتيم تميم”([3]). وفي ذلك بيان مدى فطنته (صلى الله عليه وسلم) ومعرفته بدقائق الأخبار .
عن محمد بن سلمة الأنصاري قال : كنا يومًا عند النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال لحسان بن ثابت : أنشدني قصيدة من شعر الجاهلية ، فإن الله
([1]) العمدة ج1 ص 210.
([2]) هذا عجز بيت ، وصدره: ألا من رأى العبدين أو ذُكِرا له ؟ عدي وتيم…
([3]) دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر ، تحقيق : أ/ محمود شاكر ، ط : مكتبة الخانجي 1984م ، ص 20.
________________________________(54)____________________________
-
قد وضع عنا آثامها في شعرها وروايته ، فأنشده قصيدة للأعشى هجا بها علقمة بن علاثة يقول فيها:
علقـم ما أنــت إلى عـامر
الناقض الأوتار والواتر ؟!
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): يا حسان لا تعد تنشدني هذه القصيدة بعد مجلسك هذا ، فقال : يا رسول الله ، تنهاني عن رجل مشرك مقيم عند قيصر؟ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : يا حسان ، أشكـر الناس للناس أشكرهم لله تعالى ، وإن قيصر سأل أبا سفيان عني فتناول مني – وفي رواية فشعث مني – وإنه سأل هذا – يعني علقمة بن علاثة – عني فأحسن القول، فشكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ذلك ، وروي أن حسان قال – بعد أن سمع ما سمع من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) -: يا رسول الله من نالتك يده وجب علينا شكره ([1]).
-
لما سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) قول كعب بن زهير– قبل إسلامه – يحذر أخاه بجيرًا من اتباع الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فيقول :
ألا من مبلغ عنـي بجيرًا رســالة |
فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا |
سقاك بها المأمــون كأسًـــا روية |
([1]) المرجع السابق ص 19.
__________________________(55)______________________________
فأنهلك المأمــون منـها وعلكـــا |
ففارقت أسباب الهدى واتبعــتـه |
على أي شيء ويب غيرك دلكـــا |
على خلق لم تلف أمــــــا ولا أبا |
عليه ولم تعرف عليـه أخـا لكـــا |
فــإن أنت لم تفعل فلست بآسف |
ولا قـــائل إمـــا عثرت لعًا لكا |
فلما سمع (صلى الله عليه وسلم) قوله : ” سقاك بها المأمون ” قال : مأمون والله- فقد كانوا يسمون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المأمون – ولما سمع قوله :
على خلق لم تلف أما ولا أبا |
عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا |
قال (صلى الله عليه وسلم) : أجل ، لم يلف عليه أباه ولا أمه ، ثم قال : “من لقي منكم كعب ابن زهير فليقتله” .
ثم جاءه كعب تائبًا ، وأنشده قصيدته التي مطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبـــول |
متيـــم إثــــرها لم يفد مكبــول |
فلما انتهى إلى قوله:
أنْبِئْتُ أنَّ رَسُولَ الله أَوْعَــدَني |
_____________________________(56)__________________________________
والعَفْوُ عَنْدَ رَسُولِ الله مَأْمُـولُ |
إنَّ الرَّسُولَ لَنورٌ يُسْتَضاءُ بِـــهِ |
مُهَنَّدٌ مِنْ سُيوفِ الله مَسْلُــولُ |
ألقى النبي (صلى الله عليه وسلم) ([1]) عليه بردة كان يلبسها ، ويروى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أصلح البيت ، إذ قال كعب : مهند من سيوف الهند ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : من سيوف الله ([2])، فأقام اللفظ والمعنى.
فلما وصل كعب إلى قوله في وصف أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) :
في فتية من قريش قال قائلهــــــم |
ببطن مكة لما أسلـــــموا زولوا([3]) |
زالوا فما زال أنكـــاس ولا كشف |
عند اللقــــاء ولا ميـل معازيل([4]) |
شم العرانين أبطـــــال لــبوسهم |
من نسج داود في الهيجا سـرابيل ([5]) |
([1]) راجع : شرح قصيدة كعب بن زهير لابن هشام ، ص 33 وما بعدها .
([2]) انظر: محاضرات في النقد الأدبي للأستاذ الدكتور/ محمد عرفة المغربي ، ص 37.
([3]) زولو: انتقلوا من مكة إلى المدينة ، يعنى الأمر بالهجرة.
([4]) الأنكاس : جمع نكس ، وهو الضعيف المهين ، الكشف : جمع أكشف ، وهو من لا ترس معه في الحرب ، الميل: جمع أميل ، وهو الذى لا سيف معه ، أو الذى لا يحسن الركوب ، المعازيل: جمع معزال ، وهو الذي لا سلاح معه .
([5]) الشم : جمع أشم، وهو الذي في قصبة أنفه علو مع استواء أعلاه. العرانين : جمع عرنين وهو الأنف ، والمراد أن فيهم استعلاء وأنفه . والسرابيل : جمع سربال ، وهو الدرع أو كل ما يلبس في الحرب .
____________________________(57)__________________________
لا يفرحون إذا زالت رماحــــهم |
قومًا وليسوا مجازيعا إذا نيـــلوا ([1]) |
جعل النبي (صلى الله عليه وسلم) ينظر إلى من كان بحضرته من قريش كأنه يومئ إليهم أن اسمعوا ([2]).
-
روي أن الأعشى – ميمون بن قيس – خرج يريد النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فقال شعرًا ، حتى إذا كان ببعض الطريق نفرت به راحلته فقتلته ، ولما أنشد – بالبناء للمجهول – شعره الذي يقول فيه :
فآليت لا أرثى لها من كلالـــــــة |
ولا من حفـــى حتى تلاقى محمدًا |
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم |
تفوزى وتلقى من فواضــــله يدا |
قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : كاد ينجو ولما ([3]) ، أي ولم يحصل له الفوز بالإسلام والنجاة.
([1]) مجازيع : جمع مجزاع ، وهو الشديد الجزع .
([2]) انظر: شرح قصيدة كعب بن زهير لابن هشام ص 272.
([3]) جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي ، ط: دار صادر بيروت ، ص 67.
___________________________(58)_________________________________
-
9-وفى كتاب الأغاني أن النبي (صلى الله عليه وسلم) علق على شعر ثلاثة الأنصار حسان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة، فقال: ” أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن ، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن ، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى” ([1]).
وحقًّا إن حسان يتقدم صاحبيه في الشعر بصفة عامة ، فهو أشعر شعراء المدينة([2]) ، وفي هجاء أعداء الإسلام بصفة خاصة ، إذ بلغ فيه درجة جعلت الأعداء يرهبون لسانه ، “ولقسوة هجائه استعاذ الحارث ابن عوف منه بالرسـول (صلى الله عليه وسلم) قائلا : يا محمد أنا عائذ بك من شعره ، فلو مزج البحر بشعره مزجه “([3]).
10- وفي مجال الاستحسان كان (صلى الله عليه وسلم) كثيرًا ما يقول للسيدة عائشة (رضي الله عنها) : أبياتك ، فتنشده :
ارفع ضعيفـــك لا يحر بـك ضعفه |
يومًا فتــــــدركه العواقب قــد نما |
يجزيك أو يثنـي عليــك وإن مـــن |
أثنى عليك بما فعلـت فقد جــــزى |
([1]) الأغاني ، لأبي الفرج الأصبهاني ، ط:مطبعة التقدم بمصر ، ج 4 ص 6.
([2]) انظر: طبقات فحول الشعراء لابن سلام ج1 ص 215.
([3]) حسان بن ثابت لمحمد إبراهيم جمعة ، ص 58، ط : دار المعارف .
________________________________(59)______________________________
فيقول (صلى الله عليه وسلم) : ” يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده: صنع إليك عبدي معروفًا فهل شكرته عليه؟ فيقول : يارب ، علمت أنه منك فشكرتك عليه” ، قال : فيقول الله (عز وجل) : لم تشكرني ، إذ لم تشكر من أجريته على يده ” ([1]).
وعندما سمع (صلى الله عليه وسلم) قول قتيلة بنت النضر بن الحارث تبكي أباها ، وتعتب على النبي (صلى الله عليه وسلم) في قتله ، فتقول :
يا راكبا إن الأثيــــــل مظنـــة |
من صبح خامسة وأنت مــوفق |
أبلـــغ به ميتًــــا بأن قصيــدة |
مـــا إن تزال بها الركائب تخفق |
مني إليه ، وعبرة مسفوحـــــة |
جـــادت لمائحها وأخرى تخنق |
فليسمعن النضر إن نـــــاديته |
أم كيف يسمع ميت لا ينطـق؟ |
ظلت سيوف بني أبيه تنوشـــه |
لله أرحـــام هنـــاك تشقــــق |
([1]) دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر ، ص 19، 20، وقد ذكر الشيخ محمود شاكر في تحقيقه أن الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ج 1 /ص 163.
_________________________(60)_______________________
قسرًا يقـــاد إلى المنيــــة متعبًا |
رسف المقيد وهـوعان مـــوثق |
أمحمد هــا أنت نجل نجيـــبة |
من قومـها والفحل فحل معرق |
ما كان ضرك لو مننت وربمـــا |
من الفتى وهو المغيظ المـــحنق |
والنضر أقرب من قتلت وسيلة |
وأحقهـــم إن كــان عتق يعتق |
قال (صلى الله عليه وسلم) : لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه ([1]).
* * *
([1]) العمدة لابن رشيق ، ج1 /ص56، وانظر السيرة النبوية لابن هشام ج2 /ص 29، 30.
_______________________________(61)____________________________
[:]