Uncategorized

[:ar]مقدمة[:]

[:ar]

بسم الله الرحمن الرحيم

مقـــدمــــــة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .

وبعــد :

فإن الإسلام قطعة ذهب لا تحتاج أكثر من أن نجلِّي ما علق بها أو ران عليها من بعض الغبار المتطاير أو حتى المتراكم لتشع نصاعة وبريقًا ولمعانًا ، لأن المعادن النفيسة لا تصدأ ولا يصيبها العطب مهما كانت عوامل الزمن وتداعياته وأحداثه وتراكماته .

ومما لا شك فيه أن في سيرة نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وسنته ترجمة عملية وتفسيرًا نظريًّا وتطبيقيًّا لكثير من آي الذكر الحكيم ، فأهل العلم على أن السنة النبوية شارحة ومفصلة ومبينة ومتممة ومفسرة لكتاب الله (عز وجل) .

ومن ثمة تأتي أهمية التدقيق في صحة ما ورد عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من جهة ، وضرورة الفهم الصحيح والمقاصدي له من جهة أخرى ، مع العمل الجاد والدءوب على تصحيح المفاهيم الخاطئة في فقه السيرة والسنة ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :   ( يحمـل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ) .

ومن أكثر الموضوعات التي تحتاج دراستها إلى إعادة نظر قضية أيام ملاقاة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأعدائه ، والتي عبرت عنه بعض كتب التاريخ والسِّير بالغزوات .

وهنا يجب أن نقف عند حدود تعبير القرآن الكريم ، حيث سمى الأمور بمسمياتها الأدق ، فلم يرد في القرآن الكريم لفظ غزوة للتعبير عن ملاقاة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأعدائه قط ، إنما عبَّر بلفظ يوم عما كان من نصر المسلمين يوم بدر الذي سماه الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز يوم الفرقان ، فقال سبحانه : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[الأنفال: 41] .

وهكذا أيضا تحدث القرآن الكريم  عن يوم حنين ، حيث يقول الحق سبحانه : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[التوبة: 25 – 27] .

فقد كانت حروب النبي (صلى الله عليه وسلم) دفاعية ، إما دفعًا لعدوان وردًّا لاعتداء ، وإما دفعًا لخيانة أو تآمر أو لنقض الأعداء عهدهم معه (صلى الله عليه وسلم) ، ولَم يكن أي منها اعتداء على أحد ، كما أن الإسلام لم يكن تواقًا أبدًا لسفك الدماء ، إنما كان أنموذجًا في حقنها وحرمتها ، فكان الأنسب والأدق التعبير عنها بلفظ يوم وليس بلفظ غزوة ، وهو ما سار عليه كثير من الكتاب الذين تحدثوا عن أيام العرب في الجاهلية والإسلام .

ويتضمن الكتاب – أيضا- تصحيحًا لبعض المفاهيم الخاطئة في قضايا غاية في الأهمية ، منها : تصرفات النبي (صلى الله عليه وسلم ) في إدارة الدولة ، والخلط بين العادات والعبادات ، وبعض قضايا الأسرة والسكان ، وحقيقة الزهد ، ومفهوم العلم النافع ، والجمود الشكلي عند ظواهر بعض السنن والمستحبات .

وإني لأرجو أن أكون قد أسهمت في إنارة الطريق وفتح باب القراءة الواعية المستنيرة لتراثنا الفكري المتغير الذي ينبغي أن يبنى على الفهم الصحيح للنص الثابت ، في ضوء مراعاة واقع العصر وظروفه المعتبرة .

والله من وراء القصد , وهو الموفق والمستعان .

د/ محمد مختار جمعة مبروك

وزير الأوقاف

رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

وعضو مجمع البحوث الإسلامية

بالأزهر الشريف

[:]