Uncategorized

[:ar]السنة النبوية ومكانتها في التشريع[:]

[:ar]

السنة النبوية ومكانتها في التشريع
عندما نتحدث عن السنة النبوية المشرفة إنما نتحدث عن المصدر الثاني للتشريع ، فقد أجمع علماء الأمة وفقهاؤها وأصوليوها على حجية السنة النبوية، وأن طاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من طاعة الله (عز وجل)، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ  فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ([1])، ويقول سبحانه : “وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”([2]).
ويقول سبحانه :” قُلْ أَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ”([3]) ، ويقول سبحانه :” وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ” ([4]) ، ويقول سبحانه: “وَأَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ” ([5]) ، ويقول سبحانه:” قُلْ أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا
__________________________(9)______________________________
(1) النساء: 59.
(2) آل عمران: 132 .
(3) آل عمران: 32 .
(4) الأنفال : 46 .
(5) المائدة : 92.

 

 

الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا  وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ  ([1]).
ويقول سبحانه :” مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا”  ([2]) ، ويقول سبحانه:” وَمَن يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ  وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ الله وَكَفَىٰ بالله عَلِيمًا” ([3]) ، ويقول سبحانه : ” وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([4]) ، ويقول سبحانه  “تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”([5]) ، ويقول سبحانه : “وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا”([6]) ، ويقول سبحانه :” إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
____________________________(10)_______________________________
(1) النور : 54.
(2) النساء : 80.
(3) النساء :  69 ,70 .
(4) الأحزاب : 71.
(5) النساء : 13.
(6) الفتح : 17 .
وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ([1]) ، ويقول سبحانه:” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَّحِيمًا” ([2]) ، ويقول سبحانه : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا  وَاتَّقُوا الله  إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ([3]).
                                                 *    *    *
ويؤكد القرآن الكريم على ضرورة النزول على حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) في حياته ، وعلى مقتضى سنته الشريفة في حياته وبعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى:” فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا([4]).
ويقول سبحانه : “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا([5]) .
____________________________(11)________________
(1) النور : 51-52 .
(2) النساء : 64 .
(3) الحشر : 7 .
(4) النساء : 65.
(5) الأحزاب : 36.
وقد نهى الحق سبحانه وتعالى وحذر من مخالفة أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال سبحانه : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ([1]) ، ويقول سبحانه :”  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ([2]) ، ويقول سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ  * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ الله الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ  ([3]).
ويقول سبحانه :” وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا([4]) ويقول سبحانه :” وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ  ([5]) ، ويقول سبحانه :” وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ([6]).
___________________________(12)____________________________
(1) النور : 63 .
(2) محمد : 33 .
(3) الأنفال: 20-23 .
(4) الأحزاب: 36.
(5) النساء: 14.
(6) الجن: 23.
وبين لنا الحق سبحانه وتعالى أن كل توجيه يصدر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) إنما هو وحي يوحى ، حيث يقول سبحانه :” وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى” ([1]) ، وأنه (صلى الله عليه وسلم) إنما يدعونا لما يحيينا , حيث يقول الحق سبحانه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ([2]).
وقد جعل الحق سبحانه طاعة رسول الله واتباع سنته (صلى الله عليه وسلم) سببًا لمرضاته (عز وجل) وحبه ، وبابًا لمغفرة الذنوب ، فقال سبحانه: “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ  وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ” ([3]).
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ ، فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ الله ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ الله كَمَا حَرَّمَ الله”([4]) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “دَعُونِي مَا
_________________________(13)__________________________
(1) النجم: 1-4 .
(2) الأنفال: 24 .
(3) آل عمران : 31  .
(4) سنن الترمذي، كتاب العلم ، بَاب مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ حَدِيثِ النَّبِيِّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، حديث رقم (2664)، تحقيق: أحمد محمد شاكر ، مصطفى البابي الحلبي ، الطبعة: الثانية 1395هـ – 1975م . 

 

 

تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ, فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءِ فَاجْتَنِبُوهُ , وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ”([1])، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى، قيلَ: وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ: “مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى”([2]).
وعن عبد الله بن عبَّاس (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ” تركتُ فيكم أيُّها الناس ما إنِ اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبدًا : كتاب الله ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ “([3]) ، وعن العرباض بن سارية (رضي الله عنه) : أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ” أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله , وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا , فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ , تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة “([4]) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي
___________________________(14)_____________________________
(1) صحيح البخاري ، كِتَاب الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، بَاب الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) , حديث رقم (7288) ، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر ، نشر: دار طوق النجاة ، الطبعة: الأولى، 1422هـ .
(2) صحيح البخاري ، نفس  الموضع السابق ، حديث رقم (7280) .
(3) المستدرك على الصحيحين للحاكم 1/171، حديث رقم (318) دار الكتب العلمية ، بيروت. 
(4)  سنن أبي داود ، كتاب  السنة ، باب فِي لُزُومِ السُّنَّةِ , حديث رقم (4607) ،  تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد ، نشر: المكتبة العصرية ، صيدا ، بيروت .

 

 فَلَيْسَ مِنِّي)([1]) ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَـدْ أَطَاعَ الله، وَمَنْ عَصَـانِي فَقَدْ عَصى الله)([2])
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (رَضِيَ الله عَنْهُمَا) : ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثٍ ، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا ، إحْدَاهَا : قَوْله تَعَالَى :” أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ”([3]) فَمَنْ أَطَاعَ الله وَلَمْ يُطِعْ رَسُولَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَالثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى:” وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” ([4]) فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى:” أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ “ ([5]) فَمَنْ شَكَرَ 
الله وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَلِذَا قَالَ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “رِضَا الله فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ ، وَسَخَطُ الله فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ”(6]).
_________________________(6)____________________________
(1) صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح, حديث رقم (5063) ، وصحيح مسلم ، كتاب النكاح ، بَاب اسْتِحْبَابِ النِّكَاحِ لِمَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ، وَوَجَدَ مُؤَنَهُ , حديث رقم (1401).
(2) صحيح البخاري ، كتاب الأَحْكَامِ ، باب قَوْلِ الله تَعَالَى { وَأَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} , حديث رقم (7137) ، وصحيح مسلم ، كتاب الإِمَارَةِ ، بَاب وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ، وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ , حديث رقم (1835).
(3) النساء : 59 .
(4) البقرة : 43 .
(5) لقمان : 14 .
(6) شعب الإيمان للبيهقي 6/177 ، باب في بر الوالدين ، حديث رقم (7830) ط: دار الكتب العلمية ، بيروت .
ونقل ابن رجب الحنبلي([2]) عن الإمام أحمد بن حنبل([3]) (رحمه الله) أنه قال: أُصُولُ الْإِسْلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ : حَدِيثُ عُمَرَ : إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ : مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ، وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ([4]).
وعن أبي داود السِّجسْتاني(4) أنه قال : الْفِقْهُ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ : الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَقَوْلِهِ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ، وَقَوْلِهِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَقَوْلِهِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، وَقَوْلِهِ: مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (5).
__________________________(16)___________________________
(1) هو: أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السّلامي البغدادي ، المعروف بابن رَجَب الحنبلي، ولد في بغداد 736هـ ، حافظ للحديث، بلغ درجة الإمامة في فنونه ، من أعلام المذهب الحنبلي ، من أهم مؤلفاته : جامع العلوم والحكم ، ولطائف المعارف، توفي في دمشق سنة 795هـ . الأعلام للزركلي 3/295 ، نشر: دار العلم للملايين ، الطبعة الخامسة عشرة 2002م.
(2) هو: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي، وُلد في بغداد سنة 164هـ ، رابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي، توفي سنة 241هـ. (سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي (المتوفى :748هـ) 11/ 177، تحقيق : مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط ، نشر: مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثالثة 1405 هـ / 1985م.
(3) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي 1/61، ط: دار المعرفة ، بيروت.
(4) هو الإمام أبو داود ، سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني ، إمام أهل الحديث في زمانه. أصله من سجستان ، صاحب كتاب السنن وهو أحد الكتب الستة ، توفي بالبصرة سنة 275هـ (سير أعلام النبلاء (13/203) ط الرسالة ، والأعلام للزركلي 3/122).
(5) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ص 62.
ولا يجادل في مكانة السنة النبوية المشرفة وحجيتها وعظيم منزلتها إلا جاحد أو معاند لا يعتد بقوله , فقد أجمع أهل العلم على أن السنة النبوية المطهرة هي المصدر الثاني للتشريع , ومن ثمة كانت العناية الفائقة بها , حفظًا , وروايةً , وتدوينًا , وتخريجًا , وشرحًا , واستنباطًا للأحكام , غير أن وقوف بعض قاصري الفهم عند ظواهر النصوص دون فهم مقاصدها قد أدى إلى الجمود والانغلاق في كثير من القضايا , وهو ما يجعل الحديث عن الفهم المقاصدي للسنة النبوية أمرًا ضروريًّا وملحًّا لكسـر دوائر الجمود والانغلاق والتحجر الفكري. 
ولا شك أن السنة جاءت شارحة ومبينة ومتممة للقرآن الكريم , يقول الحق سبحانه وتعالى:” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِموَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ([1]), ويقول سبحانه:” وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا  ([2]) ، ويقول سبحانه: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”([3]), ويقول سبحانه:” وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ________________________(17)____________________________
(1) النحل : 44 .
(2) النساء : 113.
(3) الجمعة :  2 .
يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”(1), وقال (عز وجل): “وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالْحِكْمَةِ إِنَّ الله كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا”(2).
فقد ذكر الحسن البصري(3) والإمـام الشافعـي(4) (رحمهما الله) وغيرهمـا من أهل العلم وكثير من المفسرين أن الحكمة هنا هي سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(5).
وقــد تحدث العلماء والفقهــاء والأصوليـون عن حجية السنة حديثًـا مستفيضًـا ، يقول الإمـام الشـافعـي (رحمه الله) : وضع الله (عز وجل) رسولَه (صلى الله عليه وسلم) من دينه وفرضِه وكتابِه الموضعَ الذي أبان – جل ثناؤه – أنه جعله علَمًا لدِينه بما افترض من طاعته ، وحرَّم من معصيته ، وأبان من فضيلته بما قرن بالإيمان برسوله (صلى الله عليه وسلم) مع الإيمان 
_____________________________(18)__________________________
(1) البقرة: 231 .
(2) الأحزاب: 34 .
(3)  هو: الحسن بن يسار البصري ، تابعي ، كان إمام أهل البصرة ، وحبر الأمة في زمنه ، مات سنة 110هـ .  (الأعلام للزركلي 2/ 226).
(4) هو: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ القرشيّ ، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي ومؤسس علم أصول الفقه ، ولد (رحمه الله) بغزة عام 150هـ، ومن أهم مؤلفاته: كتاب الأم، والرسالة ، وهو أول كتاب صنف في علم أصول الفقه، توفي في مصر سنة 204هـ . (الأعلام للزركلي 6/ 26).
(5) راجع في ذلك: تفسير الطبري وابن كثير وغيرهما للآية (129) من سورة البقرة.
به ، فقال تبارك وتعالى :” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ”([1])، فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبعٌ له الإيمـانَ بالله ورسوله , فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله لم يقـع عليه اسم كمال الإيمان أبدًا حتى يؤمن برسوله معه ([2]) .
ويقول (رحمه الله) : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَهُ النَّاسُ أَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ فِي أَنْ فَرَضَ الله عَزَّ وَجَلَّ اتِّبَاعَ أَمْرِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
والتسليمَ لحكمه بأن الله (عز وجل) لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه ، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) وأن ما سواهما تبع لهما وأن فرض الله تعالى علينـا وعلى من بعـدنـا وقبلنـا في قبـول الخبـر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واحد([1]) .
ويقول ابن حزم ([2]) (رحمه الله) : في أيِّ قرآن وُجِد أن الظهر أربع ركعات ، وأن المغرب ثلاث رَكَعَات ، وأن الركوع على صفة كذا ، 
_______________________(19)______________________
(1) الحجرات : 15.
(2) الرسالة للإمام الشافعي: تحقيق: الشيخ أحمد شاكر ج 1/ص75 ، ط: دار الكتب العلمية ، بيروت.
(3) الأم للشافعي: كِتَابُ جِمَاعِ الْعِلْمِ ج 7/ص 287 ، ط: دار المعرفة ، بيروت.
 (4)أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي ، من أكبر علماء الأندلس ، من أهم مؤلفاته : المحلى ، الفصل في الملل والأهواء والنحل، الإحكام في أصول الأحكام ، طوق الحمامة ، توفي سنة 456 هـ / 1064م. (الأعلام للزركلي ج4 /ص 254).

 

 

والسجود على صفة كذا ، وصفة القراءة فيها والسلام ، وبيان ما يُجْتَنَب في الصوم ، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة ، والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة ، ومقدار الزكاة المأخوذة ، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة ، وصفة الصلاة بها وبمزدلِفة ، ورمي الجمار، وصفة الإحرام ، وما يُجْتَنَب فيه ، وقطع السارق ، وصفة الرَّضاع المحرم ، وما يحرم من المآكل، وَصِفَتَا الذبائح والضحايا ، وأحكام الحدود ، وصفة وقوع الطلاق ، وأحكام البيوع ، وبيان الربا ، والأقضية والتداعي ، والأيمان ، والأحباس ، والْعُمْرَى ، والصدقات وسائر أنواع الفقه؟ وإنما في القرآن
جُمَل لو تُركنا وإياها لم نَدْرِ كيف نعمل بها؟ وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقلُ عن النبي (صلى الله عليه وسلم)([1]).
ويقول الشوكاني([2]) (رحمه الله) : اعلم أنه قـد اتفق من يعتـد به من أهـل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام ، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام ، وقد ثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: أَلا وَإِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ([3]) أي : أوتيت القرآن وأوتيت مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن ، وذلك كتحريم لحوم الحمر الأهلية ، وتحريم
__________________________(20)________________________
 (1)الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري ج2/ص 79 ، دار الآفاق الجديدة، بيروت .
(2) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، من أهم مؤلفاته : نيل الأوطار، وفتح القدير، توفي بصنعاء 1759هـ-1834م (الأعلام للزركلي 6/ 298).
(3) مسند أحمد ، ج  28/ص 410 ، حديث رقم (17174).

 

 

كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ، وغير ذلك مما لا يأتي عليه الحصر(1).
ويقول : والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقـلالهـا بتشريع الأحكام ضـرورة دينيـة ، ولا يخـالف في ذلك إلا من لا حـظ له في ديـن الإسلام(2).
ويقول الألـوسي(3) (رحمه الله):{أَطِيعُواْ الله} أي : الزموا طاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} المبعوث لتبليغ أحكامه إليكم في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه أيضًا , وأعاد الفعل – وإن كانت طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله تعالى – اعتناء بشأنه (عليه الصلاة والسلام) وقطعًا لتوهم أنه لا يجب امتثال ما ليس في القرآن ، وإيذانًا بأن لـه (صلّى الله عليه وسلّم) استقــلالاً بالطاعة لم يثبت لغيره (4).
_______________________(21)_____________________
(1) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني ، ج 1 / ص 96 ، ط: دار الكتاب العربي .
 (2)المصدر السابق ، ج 1/ ص 96.
(3) هو : محمود شهاب الدين الألوسي ، نسبة إلى مدينة ألوس وهي جزيرة في وسط نهر الفرات بمحافظة الأنبار، مفسر، ومحدث، وفقيه، وأديب، وشاعر، تقلد الإفتاء ببلده عام 1248هـ ، ثم انقطع للعلم، من أهم مؤلفاته: تفسير روح المعاني، توفي سنة 1803هـ- 1854م . (الأعلام للزركلي ، ج 7/ ص172).
(4) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي ، ج 5/ص 65 ، ط: دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
ويقول الأستاذ /عبد الوهاب خلاف (1) (رحمه الله) : السنة إما أن تكون سنة مفصّلة ومفسِّرة لما جاء في القرآن مجملاً ، أو مقيِّدة ما جاء فيه
طلقًا ، أو مخصِّصَة ما جاء فيه عامًّا ، فيكون هذا التفسير أو التقييد أو التخصيص الذي وردت به السنة تبيينا للمراد من الذي جاء في القرآن , لأن الله سبحانه منح رسوله حق التبيين لنصوص القرآن بقوله عز شأنه : “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ(2) ، ومن هذا : السنن التي فصلت إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، لأن القرآن أمر بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، ولم يفصل عدد ركعات الصلاة ، ولا مقادير الزكاة ، ولا مناسك الحج ، والسنن العملية والقولية هي التي بَيَّنت هذا الإجمال؟ وكذلك “وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا “(3)، والسنة هي التي بَيَّنَت صحيح البيع وفاسده ، وأنواع الربا المحرم , والله حرم الميتة ، والسنة
_________________________(22)________________________
 (1)هو المحدث الأصولي، الفقيه، عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، ولد سنة 1888م ، صاحب المؤلفات الكثيرة خصوصًا في علم أصول الفقه، عين قاضيًا بالمحاكم الشرعية سنة 1920م ثم نقل مديرًا للمساجد بوزارة الأوقاف سنة 1924م وبقي بها حتى عين مفتشًا بالمحاكم الشرعية في منتصف سنة 1931م. انتدبته كلية حقوق جامعة القاهرة مدرساً بها في أوائل سنة 1934م وبقي أستاذا للشريعة الإسلامية حتى أحالته إلى المعاش سنة 1948م، توفي 1375هـ،  ( انظر ترجمته في مقدمة كتابه (علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع) ص 3 .   
(2) النحل: 44 .
(3) البقرة : 275 .
هي التي بينت المراد منها ما عدا ميتة البحر وغير ذلك من السنن التي بينت المراد من مجمل القرآن ومطلقه وعامه ، وتعتبر مكملة له وملحقة به ([3]).
وتأسيسًا على كل ما سبق من نصوص القرآن الكريم وسنة الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) ، وأقوال أهل العلم ، يتضح لنا إجماع أهل العلم على عظيم مكانة السنة النبوية ، وعلى حجيتها شارحة ومفسرة ومبينة
ومتممة ، لا يجادل في ذلك إلا جاحد أو معاند ، أو شخص لا حظَّ له في العلم ، ولا يعتد برأيه عند أهل الاعتبار والنظر.
 
*    *    *

__________________________(23)____________________

 (1)علم أصول الفقه ، عبد الوهاب خلاف ، ص 40  ط: مطبعة المدني بمصر.

[:]