ما أجمل الأدب مع الله تعالى وما أعظمه!! ، إنه دأب الأنبياء والأولياء ، وشيمة الأصفياء الأنقياء ، وإنه لدليل على صدق إيمان صاحبه.
والقرآن الكريم مليءٌ بمواطن الأدب مع الله تعالى ، و من ذلك ما كان من سيدنا عيسى (عليه السلام) ، حيث يقول الحق سبحانه: “وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ الله” ، فلم يقل سيدنا عيسى (عليه السلام): لم أقله ، وإنما قَال: “سُبْحَانَكَ”، تنزيهًا لله تعالى ، “مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ”، إن كانوا قد غيروا وبدلوا من بعدي فيما بلغتهم ؛ فأمرهم إليك ، وأنت أعلم بهم ، “إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” ، وهذا من كمال الأدب في الخطاب مع الله تعالى.
وكذلك من الأدب الرفيع مع الله تعالى ما كان من قول سيدنا إبراهيم (عليه السلام) ، حيث يقول القرآن الكريم على لسانه: “الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ”، فنسب عملية الخلق للخالق (عز وجل) ، “وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ”، فنسب عملية الرزق لله تعالى ، “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”، فلم ينسب ما أصابه من مرض لله (عز وجل) تأدبًا مع الله تعالى ، مع أن الصحة والمرض بيد الله تعالى وحده ، إلا أن أبا الأنبياء (عليه السلام) تأدبًا مع الله تعالى لم ينسبها له ، ونسب الجوانب الحسنة لله سبحانه، ولما جاء إلى الحديث عن المرض قال :”وَإِذَا مَرِضْتُ”، ولم يقل : وإذا أمرضني تأدبًا مع الله (عز وجل) .
كما أن الجن عرفت الأدب مع الله تعالى ، حيث قالوا : “وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا”، فنسبوا الرشد والصلاح لله (عز وجل) ، “أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا” ، ولم ينسبوا الشر له (عز وجل) ، حيث قالوا : “وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ” , بالبناء للمجهول ، تأدبًا مع الله تعالى .
كما ذكر القرآن الكريم تأدب الخضر (عليه السلام) مع الله تعالى في قصة السفينة والغلام ، حيث قال سبحانه : “أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا”، فنسب عيب السفينة لنفسه ، وكذلك في قوله تعالى : “وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا” ، نسب عملية الاجتهاد في قتل الغلام إلى نفسه، أما قوله تعالى : “وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا” , فنسب الخير والرحمة إلى الله تعالى , وهذا من كمال الأدب مع الله (عز وجل) .
ومن الأدب السامي ما كان من سيدنا أيوب (عليه السلام) مع الله تعالى، حينما مسه الضر , فقال سبحانه : “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ” لم يقل اشفني وكأنه يقول : يكفيني يا رب علمك بحالي ، “وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”.
ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَـهُ ، لَـهُ الْمُـلْكُ وَلَهُ الْحَمْـدُ ، وَهُوَ عَلَـى كُـلِّ شَـيْءٍ قَـدِيـرٌ” ، وقد سئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة ، فقال: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير” ، فقيل له : هذا ثناء وليس بدعاء ، فقال : يقول الله (عزّ وجلّ) في الحديث القدسي: “مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ”.
فإذا كانت مراعاة الأدب مع الخلق واجبة ، فما بالنا بالأدب مع الخالق ، إنه لمنة عظيمة يمن الله تعالى بها على من يشاء من عباده ، فحسن الأدب مع الله (عز وجل) هو أحد أهم مفاتيح الفرج ، فما أجمل الأدب مع الله تعالى , وما أجمل الأدب مع سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , وما أجمل الأدب مع الخلق!!، وقَبَّحَ الله من لا أدب له.